مقالة بالمقارنة : ما الفرق بين المشكلة والإشكالية ، بكالوريا 2024 لجميع الشعب

باعتبار الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ميزه الله عز وجل عن سائر المخلوقات الأخرى بامتلاكه العقل ، ولكونه يعيش في محيط يرى فيه الكثير من الظواهر والقضايا التي تثير فيه قلقا نفسيا ، هذا ما يدفعه دوما إلى البحث والتعمق فيها من أجل الوصول إلى المعرفة واكتشاف أسرار هذا الكون وخبايا الطبيعة ، ويتمكن من فهم ماهيتها و إدراك الحقائق وفك الألغاز من جهة ، وإشباع فضوله المستمر من جهة أخرى ، ويعتمد في ذلك على طرح الأسئلة المتنوعة والمختلفة باختلاف الإنسان بين العامي والعالم  والفيلسوف ، وباختلاف مجالاتها أيضا ، فمنها ما ينطوي تحت المجال العلمي ، ومنها ما ينطوي تحت المجال الفلسفي ، هذا الأخير الذي يصطدم فيه الإنسان بمسائل و مواضيع معقدة ، فتنحصر أسئلته إما في إطار المشكلة أو إما في إطار الإشكالية .

ولأن هناك كثيرين لا يستطيعون التمييز بينهما ، هذا ما يدفعنا لطرح التساؤل التالي : ما الفرق بين المشكلة والاشكالية  ؟ وما هي أوجه الإختلاف والتشابه بينهما ؟ وكذا ما هي العلاقة  التي تجمع المشكلة بالاشكالية ؟

إن المقارنة  بين المشكلة  والإ شكالية ، تقتضي الوقوف على نقاط الإختلاف والتباين بينهما :

فمن ناحية التعريف 

تعتبر المشكلة  بمثابة القضية المبهمة وكذا المستعصية غير واضحة الحكم ، والتي يستدعي حلها استخدام طرق عديدة . وهي عبارة عن تساؤل مؤقت ينتظر جوابا مقنعا . 

ويعرفها جميل صليبا في معجمه :  بأنها مرادفة للمسألة التي يطلب حلها بإحدى الطرق العلمية أو الإستدلالية ( العقلية ) ، ومثال ذلك : هل يصح القول بأن لكل سؤال جوابا ? 

 كما نقول : المشكلات الإقتصادية والمسائل الرياضية .

 أو كما يعرفها اندريه  لالاند  : المسألة التي تحتاج إلى حل بطرق علمية إستدلالية أو القضية أو المعضلة النظرية أو العلمية التي لا نتوصل فيها إلى حل معين.

 كما يذكر جميل صليبا عن الجرجاني في كتابه "التعريفات " : أن المشكل هو ما لا ينال المراد منه إلا بتأمل بعد الطلب ،  بمعنى أنه شعور بوجود صعوبة  لابد من تخطيها أو الإصطدام بواقع لا نريده فكأننا نريد شيئا ثم نجد خلافه .

 أما الإشكالية ، فهي المعضلة الفلسفية التي تثير نتائجها الشكوك ، وتحمل على الإرتياب والمخاطرة ، أي القضية التي تحتمل الإثبات والنفي معا ، فهي عبارة عن تساؤل دائم حول المسائل الصعبة  في هذا الوجود .

وهي عند جميل صليبا  في معجمه ، مأخوذة من "الإشكال" ، عند الفلاسفة  صفة لقضية لا يظهر فيها وجه الحق، ويمكنها أن تكون صادقة إلا أنه لا يقطع بصدقها .

 والإشكال عند كانط  مرادف للإمكان ، وهي مقولة من مقولات الجهة ويقابله الوجود والضرورة والأحكام . فالإشكالية عنده هي الأحكام التي يكون الإيجاب أو السلب فيها ممكنا لا غير، وتصديق العقل بها يكون مبنيا على التحكم ، أي مقررا دون دليل. وهي مقابلة للأحكام الخبرية.

 ويذكر لالاند  في موسوعته الفلسفية  بأن : الإشكالية سمة حكم أو قضية قد تكون صحيحة ( ربما تكون حقيقية )  لكن الذي يتحدث عنها لا يؤكدها صراحة .

 

ومن ناحيه المجال

فالمشكلة  تتصف بأنها مسألة فلسفية  يحدها مجال معين ، وهي رغم كونها تشمل مجالات مختلفة إجتماعية أو علمية أو فلسفية ، وتحمل موضوعا تعبر عنه بمضامين فكرية  بحسب الحقل المعرفي الذي تكون فيه . 

كما عبر عن ذلك الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه الذي يقول : إن كبريات المشاكل تملأ الشوارع ، أي أن الحياة الإجتماعية مليئة بالمشاكل الأخلاقية والإقتصادية والسياسية وغيرها.

ونجد الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون  يقرر أنه : إذا لم يكن في استطاعة الفلسفة أن تخبرنا بشيء من تلك المشكلات الخطيرة التي تواجه الإنسان ، فإنها لا تستحق منا عناء ساعة.

ومن هنا يتضح أن المشكلة مسألة متعددة الميادين ، ورغم هذا تبقى المشكلة قضية جزئية تمثل الفرع من الأصل،أقل اتساعا، محصورة  وأكثر ضيقا من الإشكالية ، وهي التي تساعدنا على فهمها، فمجال المشكلة  يبقى محدودا .

أما الإشكالية ، فتتصف بأنها ، قضية  فلسفية جوهرية ، لهذا فهي أوسع من المشكلة وأعمق منها ، فهي بمثابة مجموعة من الأسئلة الفلسفية ، يغلب عليها الطابع التجريدي النظري . هذه الاسئلة التي تمتاز بأنها لا حل لها أو قد تحتاج إلى أكثر من حل ، كون الخطط تضيق فيها ، لما تحمله من الإنسداد ، وبالتالي تحتاج إلى أكثر من علاج ، وتستوجب مقاربتها أكثر من رأي .

والإشكالية تطرح إذا تضخمت المشكلات بين مشكلتين أو أكثر، ومنه فالمشكلة تمثل غيض ، والإشكالية  تمثل فيض لهذا الوجود، كونها مسألة فلسفية مترامية الأطراف ، فتتكون تحتها مشكلات جزئية أي أنها في مقام الكل من الجزء .

أما من ناحية الإثارة النفسية 

فالمشكلة تؤدي إلى إضطراب يتمثل في الدهشة والحيرة ، هذه الأخيرة التي لها مصدران أساسيان :  الوعي بالجهل ، وإدراك صعوبة السؤال . فبقدر اتساع الوعي بالجهل ، يكون الشعور بضرورة البحث عن أسباب المعرفة .

 يقول أفلاطون : الدهشة أصل التفلسف ، أي أن المشاكل التي تواجه الإنسان أثناء البحث هي التي تدفعه إلى إعمال العقل والتفلسف ، وبقدر ما تكون هذه المشاكل والعقبات التي تطرحها المشكلة الفلسفية أكبر ،  بقدر ما يكون اندفاع الفضول أكثر .

يقول كارل ياسبرس : يدفعني الإندهاش إلى المعرفة ، فيشعرني بجهلي .

فالمشكلة هي التي تبعث في الإنسان روح الفكر، يقول  المربي جون ديوي : إن التفكير لا ينشأ إلا إذا وجدت مشكلة .

 أما الإشكالية ،  فتكون درجة الإضطراب التي تتسبب فيها أكبر، فهي تؤدي إلى إثارة القلق النفسي والعقلي ، وبالتالي إلى الإحراج ، ومثال هذا النوع من المسائل : أيهما أسبق الدجاجة أم البيضة ؟

أما من ناحية النتائج والحلول

 فالمشكلة باعتبارها مجرد تساؤل مؤقت ،  فهي قابلة  للنقاش ، وتستدرك جوابا مقنعا ، خصوصا إن كانت من نوع المشكلات المغلقة،  مثل المسائل التي تواجه الطلاب والدارسين ، مثال : خليط مركب من اللون الأبيض والأسود ، ما خصوصية هذا المركب ؟  نجد لها جواب محدد ومعلوم.

 أما إذا كانت من صنف المشكلات المفتوحة فلا يعرف لها حل وجواب محدد بالضبط ، لنقص المعطيات والمعلومات ، وهذا النوع من المسائل تتنوع حلوله وتفي بالغرض ، أي أن أي واحد من هذه الحلول يمكن أن يحل المشكلة.

 

أما الإشكالية ، فتضيق فيها الخطط لما تحمله من الإنسداد ، إذ تحتاج إلى أكثر من علاج ، وتستوجب مقاربتها أكثر من رأي ، وأغلب الإشكاليات لا حل لها ، أو قد تحتاج إلى أكثر من حل وتتطلب ميادين مختلفة ، مثال : إشكالية  الإستنساخ الباثولوجي ، للإجابة عنها نجد أنفسنا نتأرجح بين علماء الدين " حلال أم حرام" ، علماء الأخلاق" خير أم شر" ، وعلماء الإجتماع " نافع أم ضار" ،  فالإشكالية ذاتها تنطوي تحتها مشكلات جزئية ، حلولها معقدة ، غير مقنعة ، ما يجعل مجال حلها مفتوحا للبحث والنظر، ويعبر عنها سؤال جوهري كلي لا يتم التوصل فيه إلى حلول، لأن الإجابة  تبقى تدور في حلقة مفرغة .

إلا أن هذه النقاط التي تفرق بين المشكلة والإشكالية ، لا تنفي وجود نقاط يتشابهان فيها ، بدليل أن هناك عناصر مشتركة بينهما :

من ناحية المصدر 

فكلاهما نابعان من العقل الإنساني المفعم بالأسئلة خاصة الفلسفية منها ، ما يحرك الفيلسوف أو الإنسان عموما، ويدفعه لإشباع فضوله وحبه للإطلاع ، أي عن إرادة لا متناهية من طرف الإنسان ، تدفعه إلى البحث والتقصي عن الحقيقة وإزالة الغموض ، وفك ألغاز وأسرار هذا الوجود ، ودراسته بما هو موجود ، يقول أرسطو : دراسة الوجود بما هو موجود .

 

كما أنهما آليتان فكريتان مبهمتان وغامضتان ، وهذا من ناحية الطبيعة

فهما  تندرجان في المجال الفلسفي،  ويطرحان بصيغة إستفهامية ،  نابعتان من القلق والإثارة اتجاه ظاهرة ما ، بدءا مع بداية الإنسان ، وينتهيان مع نهايته.

 كما يشتركان من جانب آخر هو جانب التأثير

 فكلاهما ينطوي على أسئلة وهي الإنفعالية ، لأنهما يثيران القلق النفسي والعقلي  في تناولهما لمختلف القضايا الدينية ، الإجتماعية والأخلاقية ، وبالتالي كلاهما يثير الدهشة والإحراج والحيرة والإضطراب لأنهما ينطويان على الصعوبة والتعقيد والإلتباس .

إن الاتفاق الموجود بين المشكلة والإشكالية ، يؤدي بنا إلى تحديد طبيعة العلاقة الموجودة بينهما ، وهذا من خلال شرح علاقة التداخل أو التأثير المتبادل بينهما 

إذ نجد أن هناك رابطة جامعة بين المشكلة والإشكالية ، وهي رابطة الجزء بالكل ، والعلاقة  بينهما هي علاقة انسجام .

 كما مثل بعض المفكرين الإشكالية بأنها عبارة عن مظلة تسع لكل المشكلات ، فإذا ما توصلنا إلى حل المشكلات الجزئية ، اقتربنا من حل الإشكالية ، وكلما اتسع نطاق المشكلة تفرعت منها مشكلات جديدة،  لنجد أنفسنا أمام إشكالية .

 إذا، فالمشكلة تؤثر في الإشكالية ، كونها تساعد الإنسان على الإقتراب من فهمها ، مثال ذلك :  لفهم إشكالية الفكر بين المبدأ والواقع ، يجب فهم ودراسة المشكلات الجزئية ، وهي كيف ينطبق الفكر مع نفسه ؟ وكيف ينطبق الفكر مع الواقع ؟

 والإشكالية بدورها تؤثر في المشكلة ، كونها تحتاج إلى الإشكالية ، التي هي المعضلة الكبرى ، أي الكل ، فإذا كانت للمشكلات حلول جزئية ، فهي تحتاج إلى الحل الكلي للمعضلة الكبرى ، فالعلاقة  بينهما هي علاقه الفرع بالأصل أو علاقة المجموعة بعناصرها .

في الأخير  وبعد هذا التحليل والمناقشة نصل  إلى القول بأن هناك صلة وطيدة  بين المشكلة والإشكالية  ، وبأن هناك علاقة ضرورية وخدمة متبادلة ،  تماما كعلاقة الإنسان بالحياة ،  فكلما غاص في ظواهر الوجود ، كلما انتقل من مشكلات إلى إشكاليات .

 وكل من المشكلة والإشكالية سبيل إلى الوصول إلى المعرفة ، إذا ما تم الغوص في ألغازها ، يقول كانط  (( إن الجاهل الذي لا يدرك علل جهله وحدوده ولا ينشغل لذلك  ، جاهل على نحو جاهل )) .

هذه المقالة المكتوبة بطريقة المقارنة تحت موضوع الفرق بين المشكلة والإشكالية  هي مقالة جاهزة للحفظ مباشرة  للتلاميذ 3 ثانوي المقبلين على إمتحان شهادة البكالوريا دورة جوان 2024 بالنسبة لشعبة العلوم التجريبية ، وشعبة الأدب والفلسفة ، فنتمنى أن تفيدكم وتكون قد لخصت الأفكار المتشتتة لدى معضم الطلبة 

وتابعوا معنا المقالات القادمة في سلسلة مرتبة بحول الله وقوته  ، وبالتوفيق لجميع التلاميذ في امتحان البكالوريا .