هل مصدر المفاهيم الرياضية هو العقل أم التجربة ؟ مقالة جدلية
![]() |
هل مصدر المفاهيم الرياضية العقل أم التجربة؟ باك 2024 |
هذه مقالة جدلية حول أصل الرياضيات موجهة لطلبة الثالثة ثانوي المقبلين على إجتياز شهادة البكالوريا دورة جوان 2024 مكتوبة بالتفصيل ،مقالة في مادة الفلسفة كاملة موجهة للحفظ مباشرة وهي واحدة من المقالات الفلسفية المرشحة بقوة هذا العام .يمكن أن تكتب المقالة على طريقة الإستقصاء بالوضع أو الإستقصاء بالرفع حسب حاجة تلاميذ الباك.
نص الموضوع
مقالة بطريقة الجدل حول مصدر المفاهيم الرياضية هل هو العقل أم التجربة ؟
نص السؤال
يكون نص السؤال في هذا الموضوع غالبا على النحو التالي:
- إذا كانت الرياضيات مفاهيم مجردة، فعل العقل مصدر نشأتها ؟
- هل الرياضيات فطرية أم مكتسبة ؟ حلل وناقش
مقدمة المقال
تاريخ الإنسانية ونشاطها المعرفي يشير إلى أن الرياضيات ومفاهيمها كانت من أول العلوم نشأة، وهي معرفة أساسها المفاهيم والصور العقلية المجردة، موضوعها دراسة المقادير الكمية القابلة للقياس، لهذا فهي تستعين بالمنهج الإستنباطي العقلي ولقد دار جدال بين الفلاسفة والمفكرين حول تفسير نشأة المفاهيم الرياضية وتحديد أصلها ومصدرها الذي ترجع إليه ، بين قائل بأن الرياضيات أصلها عقلي وبالتالي فهي فطرية، وبين مؤكد على أن نشأتها ترد إلى أبعاد ومواد تجريبية وبالتالي فهي مكتسبة وليس للعقل دخل في إبداعها وإبتكارها ، هذا ما يدفعنا إلى طرح الإشكال التالي :
هل مصدر المفاهيم الرياضية يعود إلى العقل أم إلى التجربة ؟
أنصار الموقف الأول
يتفق أنصار الموقف الأول وهم أنصار النظرية المثالية (العقلية) ومن بينهم ديكارت و كانط على أن المفاهيم الرياضية أصلها عقلي، فهي نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا بعيدا عن كل تجربة حسية، وانطلقوا في ذلك من مسلمة مفادها أن الرياضيات ليست محاكاة للطبيعة وإنما هي إبداع عقلي خالص، باعتبار أن العقل هو الذي يسمي الأشياء ويعطيها معنى .
ومن الذين تبنوا هذا الموقف نجد أفلاطون "من أنصارالإتجاه المثالي" الذي يرى بأن النفس البشرية كانت تعيش في عالم المثل (عالم الأفكار و الأرواح )، فكانت على علم بسائر الحقائق ومنها المعطيات الرياضية، وبمجرد نزولها إلى العالم الحسي نسيت هذه المفاهيم فكان عليها أن تتذكرها، وهذا ما أكد عليه في قوله "العلم تذكر والجهل نسيان" ، فالخطوط بالنسبة له والأشكال والأعداد توجد في العقل وتكون واحدة بالذات وأزلية أي أن وجودها ثابت. كما أن التعريفات الرياضية مجالها ذهني ولا تتحقق إلا بواسطة العقل دون سواه، أي دون الحاجة إلى المحسوسات، كما يقول "إن العلم قائم في النفس بالفطرة والتعلم مجرد تذكر" و ففي إحدى محاوراته، حيث كان سقراط يناقش خادما جاهلا بالهندسة إلا أنه في الأخير تمكن هذا الخادم من معرفة خصائص الشكل الهندسي وذلك لأن وجودها ثابت في العقل وتحصل للإنسان بفعل التذكر.
كما نجد أيضا روني ديكارت وهو فيلسوف فرنسي هو الآخر قام بتقسيم الأفكار إلى قسمين: أفكار مكتسبة وأخرى فطرية، هذه الأخيرة تتسم بالوضوح والبداهة والدقة والتي نجد من ضمنها المفاهيم الرياضية، فهو يذهب إلى القول بأن المفاهيم الرياضية هي أفكار فطرية أودعها الله فينا عن طريق العقل لهذا يقول:
" الأعداد والأشكال الرياضية ليست سوى أفكار فطرية " وهي صادقة ولا يمكن الخطأ أو الشك فيها كما يقول:
" إن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار فطرية كمثل فكرة الله وما يلقيه الله في الإنسان من مفاهيم لا يجوز فيه الخطأ " ويؤكد أيضا رأيه من خلال القول أن هناك كائنات رياضية ليس لها ما يقابلها في الواقع الحسي مثل العدد واحد"1"، فنقول مثلا الشجرة هي واحد والقلم مثلا يمثل واحد، لكن هل الشجرة هي القلم أكيد لا، ومن ثم لا يمكن القول أن العدد واحد"1" له ما يقابله بالضبط في الواقع.
بالإضافة إلى ذلك فالعقل الإنساني هو الذي قام بابتكار المفاهيم والمعطيات الرياضية إنطلاقا من مبادئه الفطرية، بدليل أن هناك إختلاف بين المفاهيم الرياضية: الأعداد، اللانهايات،الدوال، الكسور والطبيعة التي لا تحتوي على هذه الموضوعات الرياضية، مثال ذلك: النقطة الهندسية التي تكون بلا طول ولا عرض ولا إرتفاع، تختلف عن النقطة الحسية التي تشغل حيزا، ونفس الشيء بالنسبة للمفاهيم الأخرى. بالإضافة إلى أنه يقول " من الواجب أولا أن نجمع بدون إنتقاء جميع الحقائق التي ترد إلى الذهن، ثم نرى بالتدريج هل في مقدورنا أن نستنتج منها حقائق أخرى ومن هذه الحقائق أخرى "، ومعنى ذلك أن المفاهيم الأساسية في الرياضيات يجب أن يكون مصدرها الذهن، ثم نبدأ في توظيف هذه المفاهيم باستخراج واستنتاج مفاهيم جديدة وهكذا دواليك، ولهذا نجده يصف المفاهيم الرياضية بقوله ( موضوع الرياضيات الخالصة مثل النقطة والخط والمساحة وما لا يقبل القسمة ما تركب منها لا يمكن أن يكون لها أي وجود خارج الذهن، ويلزم عن هذا بالضرورة أنه لا يوجد قط أي مثلث في العالم ولا في أي شيء من كل ما نتصوره تابعا لطبيعة المثلث أو لطبيعة أي شكل هندسي آخر، ومن ثم إن ماهيات هذه الأشياء لم تستخلص أبدا من أي شيء موجود ).
كما نجد من أنصار النظرية العقلية الفيلسوف الإيطالي إيمانويل كانط الذي فسر الرياضيات تفسيرا عقليا، وهذا بإرجاعها إلى المبادئ العقلية التي يولد الإنسان وهو مزود بها، حيث بنى فكرته إنطلاقا من مفهومي الزمان والمكان، فاعتبرهما مفهومان عقليان لأنهما يتميزان بالمطلقية والدقة والثبات ، وهذه الخصائص التي نجدها في المفاهيم الرياضية، ومن ثم كانت المفاهيم الرياضية عقلية. كما يعتقد كانط بأن الزمان والمكان هما مفهومان رياضيان، وبالتالي صورتان قبليتان "فطريتان" تسبقان التجربة، والدليل على ذلك أن المكان التجريبي له سمك محدود، بينما المكان الرياضي مستوي وغير متناهي، وما دامت الرياضيات (الجبر والهندسة) إرتبطت بالزمان والمكان وهما مفهومان عقليان، فهي أيضا علم عقلي. ويقول كانط بأن المعرفة الأولية في طبيعتها لا تحتمل أدنى إحتمال لأنها ضرورية كلية، خاصة القضايا الرياضية التي هي معارف أولية وليست فطرية كما يعتقد ديكارت، بل هي أحكام تركيبية أولية، لأن لدينا حدسا بالمكان والزمان. يقول كانط '' إن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا، أي بمعزل من كل تجربة، فهي كامنة في العقل قبل الحس''. كما يقول عنها ''أنها معارف أولية مصدرها مبدأ قبلي''
نقد أنصار الموقف الأول
نحن لا نكر دور العقل في نشأة المفاهيم الرياضية، لكن أنصار النظرية المثالية (العقلية) قد تطرفوا وبالغوا في تفسيرهم لنشأة الرياضيات بتركيزهم على العقل وحده، بينما هو عاجز عن إدراك هذه المعاني الرياضية أحيانا وكيف يمكن تفسير ظهور الهندسات التطبيقية لدى الشعوب القديمة. كذلك إن هذه الرياضيات جاءت بداية لفهم الطبيعة، فكيف لا يكون لها علاقة بهذه الطبيعة أساسا. كما أنه لا يمكن فهم العلاقات المعقدة في الرياضيات دون الإنطلاق من أشياء لها علاقة بالواقع الحسي، فالإنسان في فهمه ينطلق دوما من البسيط إلى المعقد، ومن الملموس إلى المعقول، كما أن العقل لا يمكن أن يبدع من عدم، وهو عندما يكون بمعزل عن الحواس فهو لا يعطينا سوى أوهام وتخيلات ميتافيزيقية لا مفاهيم منطقية. بالإضافة إلى هذا فلو كانت المفاهيم الرياضية فطرية كما يدعي هؤلاء الفلاسفة، لوجدناها عند الطفل الصغير بطابعها المجرد، لكن الواقع يؤكد بأن الطفل لا يفهم المعاني الرياضية إلا إذا إستعان بأشياء محسوسة كالأصابع مثلا. كما أنه لو كانت هذه المفاهيم فطرية في عقل الإنسان، فلماذا لا يأتي بها دفعة واحدة، مع العلم أن هذه المعاني تتطور بشكل دائم، بدليل تطور الرياضيات عبر العصور، وهذا بظهور ما يعرف بالهندسات اللاإقليدية التي تختلف عن الكلاسيكية، وهذا يدل على أن العقل لا يعتبر المصدر الوحيد لها، يقول دافيد هيوم " لا يوجد شيء في العقل ما لم يكن موجودا في الواقع".
أنصار الموقف الثاني
يرى أنصار النظرية التجريبية والمذهب التجريبي ومنهم جون ستيوارت ميل، لوسيان ليفي بريل، جون لوك، ودافيد هيوم، بأن الرياضيات ذات منشأ خارجي، وبأنها مستمدة من التجربة، شأنها شأن كل معارفنا. وقد إنطلقوا من المسلمة القائلة بأن الواقع هو مصدر اليقين، والعقل صفحة بيضاء والتجربة هي التي تخط عليه ما تشاء.
وقد اعتمدوا على عدة براهين، إضافة إلى المسلمة التي تقول أن كل معرفة مصدرها الحس، والرياضيات معرفة، إذا مصدرها حسي. حيث برروا موقفهم بعدة حجج، فنجد جون ستيوارت ميل الذي يرى بأن المفاهيم الرياضية ما هي إلا صور للأشياء التي تحتضنها الطبيعة، حيث يقول: " إن النقط والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه، هي مجرد نسخ من التي عرفها في التجربة" ، فلقد استلهم الإنسان الدائرة من رؤيته الشمس والقمر، والمثلث من رؤيته قمم الجبال، والمستقيم من الأفق، كما أن فكرة العدد ما هي إلا إقتباس من رؤية الأشياء المستقلة عن الأخرى، فالعدد واحد (1)، يرمز إلى شجرة أو حيوان، والعدد إثنان(2)، يرمز إلى شجرتين أو حيوانين، قال أحد الفلاسفة:" لاستكشاف العدد لابد من أشياء تعد "، أي أن المعاني الرياضية الموجودة في عقولنا هي مجرد صور طبق الأصل للمفاهيم الموجودة في الواقع الحسي، وتاريخ الرياضيات يؤكد بأنها قبل أن تصبح علما عقليا، فقد قطعت مرحلة كلها تجريبية، بدليل أن الرياضيات المادية هي التي تطورت قبل غيرها، فالهندسة لها علاقة بالتجربة وقد سبقت الحساب والجبر كمفاهيم مجردة. وتاريخ العلم يؤكد أيضا أن علم المساحة والهندسة نشأ عند قدماء المصريين تحت ضغط الحاجات الإقتصادية والإجتماعية، إذ أن فيضانات نهرالنيل دفعت بالمصريين إلى إبتكار أساليب هندسية لتحديد المساحات للحقول، وتنظيم الزراعة والري فيما كان يعرف بتجربة مسح الأراضي. كما ذهب جون لوك إلى القول بأن المفاهيم الرياضية مأخوذة من الطبيعة، وليس لها وجود فطري في العقل كما ذهب إلى ذلك البعض، فالعقل لا يولد بأفكار قبلية، بل يكون مجرد صفحة بيضاء، والممارسة الحسية هي التي تكسبه مختلف المعارف، هذه الممارسة التي تتحول فيما بعد إلى مفهوم مجرد، أي مثلا مجموعة من السيارات، واستخدام الأصابع...إلخ ، توحي لنا بفكرة العدد، حيث نجده يقول: " لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة ".
كما نجد دافيد هيوم هو الآخر يؤكد بأن الرياضيات ذات أصل تجريبي، فالعقل دون تجربة لا يساوي شيئا، وهو القائل: " يولد الإنسان صفحة بيضاء " ، بدليل أن الإنسان حينما يفقد حاسة فإنه لا يستطيع التعرف على الأشياء، لذلك يقول: " إن الذي يولد وهو فاقد لحاسة ما، فإنه يفقد المعرفة المتعلقة بتلك الحاسة "، ومن معطيات حسية، الأعمى فاقد أولا يستطيع رؤية عالم الألوان.
إضافة إلى هؤلاء نجد ليفي بريل الذي يصرح بأن الإنسان البدائي لم يكن يعرف الرياضيات والحساب، ولكنه تعلم العدد والحساب من استعماله الأصابع والحصى، إذا فالمعارف الرياضية هي معارف حسية.
كما أن علماء النفس التكويني بزعامة جون بياجي يؤكدون بأن الطفل الصغير يدرك الأعداد كصفات للأشياء، وبالتالي لا تفارق مجال الإدراك الحسي، وبذلك فإنه في إدراكه لهذه المفاهيم الرياضية يمر بمراحل، وهي المرحلة الحسية ( مرحلة الإدراك الحسي)، حيث يعتمد المعلم على وسائل مادية حسية كالقريصات، ثم المرحلة الحسية العقلية (مرحلة الإدراك الحسي العقلي )، حيث يقوم المعلم بالمزج بين الأشياء الحسية والأعداد كمفاهيم، وأخيرا المرحلة العقلية ( الإدراك العقلي )، وفيها يجرد عقل الطفل هذه المعاني من لواحقها المادية، وتصبح لديه مفاهيم مجردة.
نقد أنصار الموقف الثاني
لا ننكر ما للحواس من دور في نشأة بعض المفاهيم الرياضية، لكن إذا كانت المفاهيم الرياضية ناشئة عن الحواس أولا، فلماذا لم تكن هذه المفاهيم من حظ الحيوان الذي يعتمد أساسا على الحس.
صحيح أن التجربة والواقع يمدان العقل بمختلف المعارف إلا أن هذا غير مبرر، فالإقرار بذلك يوقعنا في تناقض مع طبيعة الرياضيات باعتبارها علما عقليا مجردا، وكيف يمكن تفسير وجود كثيرمن المفاهيم الرياضية التي ليس لها ما يقابلها في الواقع الحسي ( الجذر، مالا نهاية، الصفر...)، فكيف يمكن إنشائها أو التأكد منها، حتى أن الأشكال التي لها صورة في الواقع الحسي، ليست بالدقة التي تكون عليها في مجال الرياضيات، فالجبل أو قمة الجبل توحي بالمثلث، ولكن أن يضاهيه في الدقة فهذا مستحيل.
كما أنه لا يمكن أن تكون المفاهيم الرياضية حسية، كون الحواس تخدعنا. كما أن الإقرار بأن الرياضيات لدى الحضارات القديمة كانت حسية، فالمقصود ليست الرياضيات كلها، بل الهندسة فقط. إضافة إلى وجود مفاهيم رياضية تثبت عقلنة الرياضيات، فمفهوم اللانهاية مثلا، لا يمكن أن يكون مكتسبا من التجربة الحسية، لأن التجربة في أصلها متناهية.
التركيب
من خلال ما سبق يمكن القول بأن الرياضيات علم يتخذ من الكم المتصل والكم المنفصل موضوعا له، إلا أن هذا الكم نشأ في بداية الأمر متصلا بالواقع الحسي والممارسة العملية، لكن مع مرور الوقت جرد العقل هذه المفاهيم شيئا فشيئا من طابعها الحسي وأضاف إليها مفاهيم أخرى من إبداعها العقلي، فأصبحت الرياضيات علما عقليا خالصا.
فالإنسان القديم ( الحضارة المصرية ) كان إدراكه للرياضيات إدراكا حسيا، لكن بمجيء اليونان جردت الرياضيات من لواحقها الحسية وأصبحت مدركات عقلية خالصة مثل الهندسة الإقليدية وهندسة فيثاغورس، وأصبحت أكثر تجريدا في العصرالحديث، حيث استطاع العقل البشري أن يبدع مفاهيم عقلية جديدة، وهو ما أكده المفكر جورج سارتون في كتابه تاريخ العلم ، حيث يقول " لم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية، ولكنه انتزعها بعد ذلك من مادتها وجردها من لواحقها، حتى أصبحت مفاهيم عقلية محضة بعيدة عن الأمور المحسوسة التي كانت ملابسة لها ".
وهذا يعني أنه لا وجود للعقل دون الأشياء المحسوسة، ولا لهذه الأخيرة دون العقل، فأصل الرياضيات هو التجربة والعقل معا، أي أن المعاني الرياضية ليست حسية محضة ولا عقلية خالصة، بل كلاهما يساهم فيها. كما يقول جورج هيغل " كل ما هو عقلي واقعي، وكل ما هو واقعي عقلي".
خاتمة المقال
في الأخير وبعد هذا التحليل نستنتج من كل ما قيل أن المفاهيم الرياضية كانت في بدايتها حسية تجريبية، ثم أصبحت فيما بعد عقلية مجردة . فلا يمكن إعتبار المفاهيم الرياضية أشياء محسوسة فقط ، ولا مفاهيم عقلية مطلقة، بل بتكاملهما معا يمكن تفسير نشأه هذه المفاهيم، وهذا لأنها لم تنشأ دفعة واحدة حيث مرت بمرحلتين:
في الماضي كانت تجريبية عملية ثم بعد ذلك أصبحت علما عقليا، بدليل أن الممارسة العملية سابقة على النظرية، وما يؤكد ذلك هو الهندسة التي ظهرت عند قدماء المصريين وهي مرتبطة بالجانب العملي، حيث كانوا يعتمدون على الأحجار في تقسيم الأراضي، ثم تطورت إلى علم الهندسة وأصبحت عبارة عن أشكال ومفاهيم مجردة ونظرية. وما يؤكد أن الرياضيات مصدرها التجربة والعقل في نفس الوقت، هو أن الهندسة الإقليدية (الكلاسيكية)، لها صلة بالممارسة العملية، أي مرتبطة بالواقع الحسي، بينما الهندسات اللاإقليدية (المعاصرة)، فهي قريبة من التصور العقلي المجرد، لأنها قائمة على فرضيات عقلية.
يقول هنري بوانكاريه " إن لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة، لما وجد علم الهندسة، ولكن الطبيعة بدون عقل، مسلط عليها لا معنى لها " ، ويقول كانط " إن المفاهيم الخالية من الحدوس عمياء، والحدوس الخالية من المفاهيم جوفاء".
إقرأ أيضا :
تعليقات
إرسال تعليق