مقالة البيولوجيا / هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟ بكالوريا 2025
![]() |
مقالة البيولوجيا ، تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية |
مقدمة المقال
هذا ما يدفعنا لطرح التساؤل التالي :
هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي في العلوم الحية، و ما هي العوائق التي تمنع ذلك؟
أنصار الموقف الأول
يرى أنصار الموقف الأول بأنه يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة الحية وبالتالي تجاوز الصعوبات التي واجهت العلماء في دراستهم لهذه الظواهر دراسة علمية موضوعية.
ومن هؤلاء نجد الفيلسوف الفرنسي كلود برنارد الذي إعتبر دراسة المادة الحية دراسة تجريبية أمرا ممكنا، وذلك باستثمار طريقة التجريب الموجودة في المادة الجامدة، حيث استطاع أن يكيفها في دراسة المادة الحية مع الحفاظ على خصوصية هذه الظواهر، حيث يقول « لابد لعلم البيولوجيا أن يأخذ المنهج التجريبي من العلوم الفيزيائية والكيميائية، ولكن مع الإحتفاظ بحوادثه الخاصة...» حيث أكد كلود برنارد على العلاقة الوطيدة بين المادة الحية والجامدة في كتابه "مدخل لدراسة المنهج التجريبي"، إذ رأى بأن دراسة المادة الحية تكون بمعرفة خصائصها، وهذه الخصائص لا تعرف إلا بعلاقتها مع خصائص المادة الجامدة مثل:
تركيبة عضوية الإنسان، نجد ما يقابلها في المادة الجامدة كالحديد والكالسيوم، إضافة إلى أن كثيرا من العمليات التي يقوم بها الجسم شبيهة بالعمليات الفيزيائية والكيميائية الموجودة في الطبيعة.
وأشار الفيلسوف إلى أن علم البيولوجيا وعلى الرغم من تعقيده إلا أنه يخضع لمقياس التجربة، فما دامت نفس المركبات المعدنية الموجودة في الطبيعة موجودة أيضا في المادة الحية « ماء، أملاح، إضافة إلى الغازات»، فللكشف عن كميتها ومقدارها في جسم الإنسان خاصة و المادة الحية عامة «حيوان و نبات»، نقوم بتحليل السوائل الموجودة بداخلها، ويقول في ذلك : « نجد في الطبيعة الفيزيائية مثلا الأكسجين والهيدروجين وكذلك المادة العضوية وكل هذا نجده في المادة الحية ».
وفي نفس السياق يقول بأن العضويات المركبة هي ثلاثة أنواع من الأجسام وهي: الأجسام البسيطة كيميائيا، والمبادئ المباشرة غير العضوية والتي تدخل كعناصر مؤلفة في تكوين الأجسام الحية ، والعناصر التشريحية المنظمة التي تعرف النظام و الحياة، وهذه الفئات الثلاثة قادرة على أن تعطي عمليات فيزيائية و كيميائية تحت تأثير منبهات خارجية " كالحرارة والضوء ".
كما أن تجاربه التي قام بها، مثل التجارب التي تقوم على تغيير نظام الغذاء وتجربته حول بول الأرانب، إستطاع أن يبين من خلالها بأن المادة الحية تخضع لمبدأ الحتمية كالظواهر الجامدة، وبالتالي يمكن دراستها دراسة تجريبية وتفسيرها تفسيرا سببيا للوصول إلى القوانين التي تتحكم فيها « جميع الحيوانات الآكلة للعشب إذا ما فرغت بطونها تغذت على المواد المدخرة في أجسامها وهي عبارة عن بروتينات » .
كما يرى هذا الفيلسوف بأنه يجب أن تكون الدراسة العلمية للظواهر البيولوجية دراسة فيزيائية كيميائية، فعملية التنفس ترتد مثلا إلى تأكسدات خاصة بالخلايا.
وقد حاول كلود برنارد أن يساعد العلوم البيولوجية على التقدم خاصة في كتابه "مدخل لدراسة الطب التجريبي"، حيث أكد أنه لا يمكن الوصول إلى قوانين وخصائص المادة الحية إلا بتفكيك العضويات الحية، وأن المنهج التجريبي القائم على الحتمية مكن العلماء من إحراز تقدم كبير في هذا الميدان، حيث يقول « إن إنكار تحليل الكائنات الحية عن طريق التجربة، هو إنكار للمنهج التجريبي و إيقاف للعلم ».
بالإضافة إلى هذا فالتقدم العلمي والتطور التكنولوجي الذي عرفه القرن الماضي، ساعد العلماء والباحثين على القيام بالملاحظات والتجارب العلمية من خلال استعمال الآلات والوسائل التقنية الدقيقة كالمنظار الطبي و الليزر، وأهم هذه التجارب هي تجارب التهديم والتي تقوم على قطع واستئصال أعضاء الكائن الحي، قصد التعرف على وظيفتها وتأثيرها على بقية الأعضاء. كما استطاع لويس باستور من خلال التجريب على الحيوان إكتشاف لقاح ضد داء الكلب، واستطاع العلم الحديث أن يتوصل إلى أسباب الموت من خلال تشريح الجثث وكذا القضاء على تلك التشويهات التي تصيب الإنسان خلال العمليات التجميلية.
نقد أنصار الموقف الاول
أنصار الموقف الثاني
يرى أنصار الموقف الثاني أن هناك عوائق عديدة واجهت وتواجه علماء البيولوجيا في تطبيقهم المنهج التجريبي على المادة الحية، إذ يؤكد أنصار هذا الموقف أنهم كلما أرادوا التجريب واجهتهم عقبات منعتهم من ذلك، ولعل أهمها:
طبيعة الموضوع، فالظواهر البيولوجية لها خصائص جعلتها تختلف من حيث الطبيعة عن الظواهر الجامدة الفيزيائية، حيث تتصف بالنمو والحركة والتغير والتكاثر والتطور أي تقوم بوظائف حيوية، هذا ما يمنع من تكرار التجربة على الكائن الحي. كما أن لهذه الظواهر طبيعة معقدة لأن المادة الحية تتكون من مجموعة من الأعضاء التي تتداخل وتتكامل مع بعضها البعض إلى درجة التعقيد، مما يجعل عملية التحليل أمرا صعبا لأن كل عضو هو جزء تابع للكل ويكمل بقية الأعضاء، وإذا عزلناه فإن ذلك يؤدي إلى إفساد طبيعته أو ما يسمى بالوحدة العضوية، فإذا كان بإمكاننا تقسيم المادة الجامدة إلى أجزاء لا متناهية دون أن تفقد خصائصها، فإن هذه العملية مستعصية على مستوى المادة الحية.
وفي هذا الصدد نجد الفرنسي كوفييه الذي يقول ( إن سائر أجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها فهي لا تستطيع الحركة إلا بقدر ما تتحرك كلها معا، والرغبة في فصل جزء عن الكلية معناها نقله إلى نظام الذوات الميتة)، فالكائنات الحية متشابكة ومتداخلة الأعضاء والأجزاء، ومن ثم لا يمكن إستئصال عضو ما، كما نجده يقول ( إن بتر أي عضو من الجسم هو موت للجسم...).
كذلك عدم إمكانية التركيب بعد التحليل في البيولوجيا لأن تحليل المادة الحية ثم تركيبها، يؤدي إلى تشويهها أو موتها. فالكيمياء لما طبقت طرقها على تحليل البروتينات وهي العناصر الأولى في المادة الحية، قتلتها.
كما تواجه هؤلاء العلماء مشكلة صعوبة التصنيف في المادة الحية، فإذا كان بالإمكان أن نميز في المادة الجامدة بين ماهو فيزيائي وما هو فلكي وما هو كيميائي، فإن هذه المحاولة غير ممكنة في المادة الحية، لأن كل كائن ينطوي على خصوصيات ينفرد بها.
إضافة إلى ذلك، نجد مسألة التعميم حيث يصعب أن نعمم النتيجة على الكائنات الحية، فقد يقوم الباحث بتجارب على بعض الحيوانات و يتوصل إلى نتائج، إلا أنه لا يستطيع أن يعممها لأن ما يصدق على الحيوان لا يصدق على الإنسان أو العكس، لأن الكائنات ليست متماثلة لاختلاف خصوصيات ووظائف كل مادة، وحتى الكائن الوحيد فيه إختلافات مثل: دراسة الخلايا.
كما نجد مشكلة أو صعوبة عزل الظاهرة الحية، فمن المعلوم أن الكائن لا تستمر حياته إلا في وسط ملائم، أما إذا تم عزله فقد يؤدي إلى موت هذا الكائن أو العضو مثل السمك، وكذا إستئصال القلب فاستئصاله يؤدي إلى الوفاة خاصة إذا لم توفر له ظروف ملائمة حتى أن المدة التي يعيشها محددة، وكذلك التجربة التي أجريت على الفئران، فالفأر عندما حقن بمصل جرعته 1 سم مكعب لم يحدث له شيء، أما في المرة الثانية، فقد أصيب بصدمة عضوية وفي المرة الثالثة فقد أدى ذلك إلى وفاته.
إضافة إلى ذلك نجد صعوبة إقامة التجارب في المخبر فهي لا تؤدي إلى نفس النتيجة مثال: إستحداث هضم إصطناعي في المخبر بتوفير إناء وضعت فيه أغذية ومحاليل للهضم، إضافة لتوفير حرارة ملائمة أدى إلى حدوث الهضم، لكن لم يكن مطابقا للهضم الطبيعي.كما أنه يصعب تكييف الكائن الحي مع الظروف الإصطناعية، وهو ما أكد عليه أحد المختصين في قوله ( لكي ندرس الخلايا والأنسجة والبكتيريا وهذه كلها كائنات حية، في علم التشريح لابد من قتلها). ويؤكد ليبندز بأن التنبؤ غير ممكن في الماده الحية، إذ يقول ( لا يوجد فئران متشابهان وما يصدق على فأر المخبر لا يصدق على باقي الفئران).
كما أن الديانات السماوية حرمت التجريب على الإنسان كونه روحا مقدسة فإلى وقت متأخر كانت أغلب الديانات ترى أن الإنسان إله في الأرض، وتحرم المساس بجسمه قبل الموت أو بعده بصفة خاصة في العصور الوسطى بسيطرة من الكنيسة. ولقد حث الإسلام على الحفاظ على كرامة الإنسان لقوله تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) سورة الإسراء "الآية 70". وحتى الحيوان يعتبر كائن مقدس بالنسبة لبعض الديانات ويحرم إجراء التجارب عليه لأن ذلك سوف يؤدي إلى إنقراضه وبالتالي إختلال التوازن البيئي الطبيعي والغذائي.
تعليقات
إرسال تعليق