القائمة الرئيسية

الصفحات

مقالة البيولوجيا / هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية ؟ بكالوريا 2025

 مقالة البيولوجيا / هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية؟ بكالوريا 2025


مقالة البيولوجيا هي واحدة من مقالات مادة الفلسفة المرشحة بقوة في بكالوريا 2025 بالنسبة لجميع الشعب مكتوبة كاملة بطريقة جدلية حيث يمكن أن تعطى في الباك على صورة إستقصاء بالوضع وهو أمر محتمل جدا لطلبة السنة الثاثة ثانوي.
مقالة البيولوجيا تتطرق إلى إمكانية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الحية بين مؤكد ومفنذ وهو ما تجدونه في هذا المقال الفلسفي الجاهز. 

مقالة البيولوجيا ، تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية 

مقدمة المقال

إن المعارف التي تطمح إلى تطبيق المنهج التجريبي، لا شك أنها تسعى من وراء ذلك إلى الإلتحاق بركب العلوم وبلوغ مراتبها. وهو المنهج الذي استخدمته في البداية العلوم التجريبية في المادة الجامدة كالفيزياء والكيمياء، والذي ساعدها على الإزدهار والتقدم، لهذا حاولت العلوم المبتدئة الطموح إلى هذا الهدف، كعلوم المادة الحية أو البيولوجيا التي تدرس الظواهر الحية التي تقوم بوظائف حيوية كالإنسان والحيوان والنبات، وذلك بأن تستثمر خبرات العلوم السابقة وتقلدها في تطبيق المنهج العلمي التجريبي. ولقد دار جدار حاد بين المفكرين والفلاسفة حول إمكانية تطبيق هذا المنهج في العلوم الحية، بين قائل بعدم إمكانية تطبيقه عليها، وبين مؤكد على أنه لا توجد عوائق تمنع من تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية.
هذا ما يدفعنا لطرح التساؤل التالي :
هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي في العلوم الحية، و ما هي العوائق التي تمنع ذلك؟

أنصار الموقف الأول

يرى أنصار الموقف الأول بأنه يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة الحية وبالتالي تجاوز الصعوبات التي واجهت العلماء في دراستهم لهذه الظواهر دراسة علمية موضوعية. 

ومن هؤلاء نجد الفيلسوف الفرنسي كلود برنارد الذي إعتبر دراسة المادة الحية دراسة تجريبية أمرا ممكنا، وذلك باستثمار طريقة التجريب الموجودة في المادة الجامدة، حيث استطاع أن يكيفها في دراسة المادة الحية مع الحفاظ على خصوصية هذه الظواهر، حيث يقول « لابد لعلم البيولوجيا أن يأخذ المنهج التجريبي من العلوم الفيزيائية والكيميائية، ولكن مع الإحتفاظ بحوادثه الخاصة...» حيث أكد كلود برنارد على العلاقة الوطيدة بين المادة الحية والجامدة في كتابه "مدخل لدراسة المنهج التجريبي"، إذ رأى بأن دراسة المادة الحية تكون بمعرفة خصائصها، وهذه الخصائص لا تعرف إلا بعلاقتها مع خصائص المادة الجامدة مثل:

 تركيبة عضوية الإنسان، نجد ما يقابلها في المادة الجامدة كالحديد والكالسيوم، إضافة إلى أن كثيرا من العمليات التي يقوم بها الجسم شبيهة بالعمليات الفيزيائية والكيميائية الموجودة في الطبيعة.

 وأشار الفيلسوف إلى أن علم البيولوجيا وعلى الرغم من تعقيده إلا أنه يخضع لمقياس التجربة، فما دامت نفس المركبات المعدنية الموجودة في الطبيعة موجودة أيضا في المادة الحية « ماء، أملاح، إضافة إلى الغازات»، فللكشف عن كميتها ومقدارها في جسم الإنسان خاصة و المادة الحية عامة «حيوان و نبات»، نقوم بتحليل السوائل الموجودة بداخلها، ويقول في ذلك : « نجد في الطبيعة الفيزيائية مثلا الأكسجين والهيدروجين وكذلك المادة العضوية وكل هذا نجده في المادة الحية ».

 وفي نفس السياق يقول بأن العضويات المركبة هي ثلاثة أنواع من الأجسام وهي:  الأجسام البسيطة كيميائيا، والمبادئ المباشرة غير العضوية والتي تدخل كعناصر مؤلفة في تكوين الأجسام الحية ، والعناصر التشريحية المنظمة التي تعرف النظام و الحياة، وهذه الفئات الثلاثة قادرة على أن تعطي عمليات فيزيائية و كيميائية تحت تأثير منبهات خارجية " كالحرارة والضوء ".

 كما أن تجاربه التي قام بها، مثل التجارب التي تقوم على تغيير نظام الغذاء وتجربته حول بول الأرانب، إستطاع أن يبين من خلالها بأن المادة الحية تخضع لمبدأ الحتمية كالظواهر الجامدة، وبالتالي يمكن دراستها دراسة تجريبية وتفسيرها تفسيرا سببيا للوصول إلى القوانين التي تتحكم فيها « جميع الحيوانات الآكلة للعشب إذا ما فرغت بطونها تغذت على المواد المدخرة في أجسامها وهي عبارة عن بروتينات » .

كما يرى هذا الفيلسوف بأنه يجب أن تكون الدراسة العلمية للظواهر البيولوجية دراسة فيزيائية كيميائية، فعملية التنفس ترتد مثلا إلى تأكسدات خاصة بالخلايا.

 وقد حاول كلود برنارد أن يساعد العلوم البيولوجية على التقدم خاصة في كتابه "مدخل لدراسة الطب التجريبي"، حيث أكد أنه لا يمكن الوصول إلى قوانين وخصائص المادة الحية إلا بتفكيك العضويات الحية، وأن المنهج التجريبي القائم على الحتمية مكن العلماء من إحراز تقدم كبير في هذا الميدان، حيث يقول « إن إنكار تحليل الكائنات الحية عن طريق التجربة، هو إنكار للمنهج التجريبي و إيقاف للعلم ».

 بالإضافة إلى هذا فالتقدم العلمي والتطور التكنولوجي الذي عرفه القرن الماضي، ساعد العلماء والباحثين على القيام بالملاحظات والتجارب العلمية من خلال استعمال الآلات والوسائل التقنية الدقيقة كالمنظار الطبي و الليزر، وأهم هذه التجارب هي تجارب التهديم والتي تقوم على قطع واستئصال أعضاء الكائن الحي، قصد التعرف على وظيفتها وتأثيرها على بقية الأعضاء. كما استطاع لويس باستور من خلال التجريب على الحيوان إكتشاف لقاح ضد داء الكلب، واستطاع العلم الحديث أن يتوصل إلى أسباب الموت من خلال تشريح الجثث وكذا القضاء على تلك التشويهات التي تصيب الإنسان خلال العمليات التجميلية.

نقد أنصار الموقف الاول

بالفعل إستطاع العلم الحديث تجاوز العوائق التي واجهت علماء البيولوجيا، إلا أن هذا التجاوز بقي نسبيا لا سيما فيما يخص الإنسان، إضافة إلى أن الظاهرة الجامدة مختلفة الخصائص عن الظاهرة الحية، هذه الأخيرة التي تتميز بالتغير والنمو عكس الأولى لذا لا يمكن دراسة الظاهرة الأولى "الجامدة" وتعميمها على الظاهرة الثانية "الحية". إضافة إلى وجود العديد من الصعوبات والعوائق التي تحول دون قيام علماء البيولوجيا بتطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية، هذه الصعوبات التي تمس العديد من الجوانب ( طبيعة الموضوع، النظرة الدينية....) وإمكانية التجريب في البيولوجيا لا يعني النجاح التام بدليل العمليات الجراحية الفاشلة، الأخطاء الطبية وما يترتب عنها وإنتشار الأمراض الناتجة عن كثرة التجريب.

أنصار الموقف الثاني

يرى أنصار الموقف الثاني أن هناك عوائق عديدة واجهت وتواجه علماء البيولوجيا في تطبيقهم المنهج التجريبي على المادة الحية، إذ يؤكد أنصار هذا الموقف أنهم كلما أرادوا التجريب واجهتهم عقبات منعتهم من ذلك، ولعل أهمها:

 طبيعة الموضوع، فالظواهر البيولوجية لها خصائص جعلتها تختلف من حيث الطبيعة عن الظواهر الجامدة الفيزيائية، حيث تتصف بالنمو والحركة والتغير والتكاثر والتطور أي تقوم بوظائف حيوية، هذا ما يمنع من تكرار التجربة على الكائن الحي. كما أن لهذه الظواهر طبيعة معقدة لأن المادة الحية تتكون من مجموعة من الأعضاء التي تتداخل وتتكامل مع بعضها البعض إلى درجة التعقيد، مما يجعل عملية التحليل أمرا صعبا لأن كل عضو هو جزء تابع للكل ويكمل بقية الأعضاء، وإذا عزلناه فإن ذلك يؤدي إلى إفساد طبيعته أو ما يسمى بالوحدة العضوية، فإذا كان بإمكاننا تقسيم المادة الجامدة إلى أجزاء لا متناهية دون أن تفقد خصائصها، فإن هذه العملية مستعصية على مستوى المادة الحية.

 وفي هذا الصدد نجد الفرنسي كوفييه الذي يقول ( إن سائر أجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها فهي لا تستطيع الحركة إلا بقدر ما تتحرك كلها معا، والرغبة في فصل جزء عن الكلية معناها نقله إلى نظام الذوات الميتة)، فالكائنات الحية متشابكة ومتداخلة الأعضاء والأجزاء، ومن ثم لا يمكن إستئصال عضو ما، كما نجده يقول ( إن بتر أي عضو من الجسم هو موت للجسم...).

 كذلك عدم إمكانية التركيب بعد التحليل في البيولوجيا لأن تحليل المادة الحية ثم تركيبها، يؤدي إلى تشويهها أو موتها. فالكيمياء لما طبقت طرقها على تحليل البروتينات وهي العناصر الأولى في المادة الحية، قتلتها.

 كما تواجه هؤلاء العلماء مشكلة صعوبة التصنيف في المادة الحية، فإذا كان بالإمكان أن نميز في المادة الجامدة بين ماهو فيزيائي وما هو فلكي وما هو كيميائي، فإن هذه المحاولة غير ممكنة في المادة الحية، لأن كل كائن ينطوي على خصوصيات ينفرد بها.

 إضافة إلى ذلك، نجد مسألة التعميم حيث يصعب أن نعمم النتيجة على الكائنات الحية، فقد يقوم الباحث بتجارب على بعض الحيوانات و يتوصل إلى نتائج، إلا أنه لا يستطيع أن يعممها لأن ما يصدق على الحيوان لا يصدق على الإنسان أو العكس، لأن الكائنات ليست متماثلة لاختلاف خصوصيات ووظائف كل مادة، وحتى الكائن الوحيد فيه إختلافات مثل: دراسة الخلايا.

 كما نجد مشكلة أو صعوبة عزل الظاهرة الحية، فمن المعلوم أن الكائن لا تستمر حياته إلا في وسط ملائم، أما إذا تم عزله فقد يؤدي إلى موت هذا الكائن أو العضو مثل السمك، وكذا إستئصال القلب فاستئصاله يؤدي إلى الوفاة خاصة إذا لم توفر له ظروف ملائمة حتى أن المدة التي يعيشها محددة، وكذلك التجربة التي أجريت على الفئران، فالفأر عندما حقن بمصل جرعته 1 سم مكعب لم يحدث له شيء، أما في المرة الثانية، فقد أصيب بصدمة عضوية وفي المرة الثالثة فقد أدى ذلك إلى وفاته.

 إضافة إلى ذلك نجد صعوبة إقامة التجارب في المخبر فهي لا تؤدي إلى نفس النتيجة مثال: إستحداث هضم إصطناعي في المخبر بتوفير إناء وضعت فيه أغذية ومحاليل للهضم، إضافة لتوفير حرارة ملائمة أدى إلى حدوث الهضم، لكن لم يكن مطابقا للهضم الطبيعي.كما أنه يصعب تكييف الكائن الحي مع الظروف الإصطناعية، وهو ما أكد عليه أحد المختصين في قوله ( لكي ندرس الخلايا والأنسجة والبكتيريا وهذه كلها كائنات حية، في علم التشريح لابد من قتلها). ويؤكد ليبندز بأن التنبؤ غير ممكن في الماده الحية، إذ يقول ( لا يوجد فئران متشابهان وما يصدق على فأر المخبر لا يصدق على باقي الفئران).

 كما واجه علماء البيولوجيا قلة الوسائل وكذا عدم مصداقية كل التجارب، فتطبيق هذا المنهج يعد أمرا صعبا لقلة الوسائل التقنية، كما أن التجارب التي تقام لم تكن لها نفس المصداقية، لأن الإنسان كائن يتفاعل مع محيطه ومتغير، وبالتالي النتائج لا تكون نفسها، مثال: العمليات الجراحية الفاشلة، قابلية الجسم لبعض المخدرات المختلفة.
 كما أن الديانات السماوية حرمت التجريب على الإنسان كونه روحا مقدسة فإلى وقت متأخر كانت أغلب الديانات ترى أن الإنسان إله في الأرض، وتحرم المساس بجسمه قبل الموت أو بعده بصفة خاصة في العصور الوسطى بسيطرة من الكنيسة. ولقد حث الإسلام على الحفاظ على كرامة الإنسان لقوله تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) سورة الإسراء "الآية 70". وحتى الحيوان يعتبر كائن مقدس بالنسبة لبعض الديانات ويحرم إجراء التجارب عليه لأن ذلك سوف يؤدي إلى إنقراضه وبالتالي إختلال التوازن البيئي الطبيعي والغذائي.

نقد أنصار الموقف الثاني

فعلا المادة الحية تتميز بخصائص تختلف عن المادة الجامدة مما أعاق تطبيق المنهج التجريبي عليها، لكن القول بإستحالة التجريب يعتبر إجحافا في حق البيولوجيا بصفة خاصة والعلم بصفة عامة. فالإنسان بفضوله المستمر وسعيه لمحاولة إزالة الغموض عن بعض الكائنات الحية، إستطاع أن يتوصل إلى نتائج مبهرة في علم البيولوجيا والعلم الحديث كما استطاع تجاوز مختلف العوائق التي لم تصبح إشكالا يطرح، وهو ما يبينه إدمون غوبلو في قوله ( لا يوجد شيء مستحيل في العلم ).

التركيب

بعد كل هذا الذي قيل يمكننا أن نعرف بأنه رغم العوائق التي واجهت علماء البيولوجيا أثناء تطبيقهم للمنهج التجريبي على المادة الحية والتي لازمتهم لمدة طويلة، إلا أنهم إستطاعوا تجاوز ذلك بفضل التطورات العلمية والتكنولوجية التي توصل إليها الإنسان، أي أنه يمكن القول بإمكانية خضوع المادة الحية للتجريب شأنها شأن المادة الجامدة، لكن مع مراعاة خصوصيتها، فتعقد الظاهرة البيولوجية والذي يرجع إلى صعوبة عزل مكوناتها عن بعضها البعض بالدرجة الأولى، يوجب تجزئة العضوية وتطبيق خطوات المنهج التجريبي عليها كما هو موجود في العلوم الفيزيائية والكيميائية، مما ساعد على تقدمها وتطورها. وقد بين كلود بيرنار ذلك في قوله ( أن تأخذ المنهج التجريبي من العلوم الفيزيائية-الكيميائية، لكن مع الإحتفاظ بظواهرها النوعية وقوانينها الخاصة). كما أن تميز الظاهرة الحية بالتشابك والتكامل الوظيفي، يتطلب إتخاذ الإحتياطات وتوخي الحذر ومراعاة المرحلية والتدرج أثناء التجريب، فالوصول إلى القوانين وخصائص المادة الحية في نظر كلود برنارد لا يكون إلا بتفكيك العضويات والإعتماد على المنهج التجريبي القائم على الحتمية.

الخاتمة 

في الأخير وبعد هذا التحليل يمكن أن نقول بأن التجريب في البيولوجيا أمر ممكن وواقع، نظرا لإستطاعة العلم تجاوز مختلف العوائق. ولكن هذا التطبيق محدود مقارنة بالعلوم الفيزيائية والكيميائية بالطبيعة المعقدة للكائنات الحية والإعتبارات الأخلاقية والعقائدية والإيديولوجية.
 والسؤال الأكثر إلحاحا تعلق بمشكلة حضورالأخلاق في الممارسة الطبية، أو ما يصطلح عليه بالبيوتيقا بسبب التدخل التكنولوجي المفرط على مستوى الطب والبيولوجيا، يقول كلود برنارد ( إن إنكار تحليل الكائنات الحية عن طريق التجربة هو إنكار للمنهج التجريبي وإيقاف للعلم...)، فنحن اليوم نسمع عن سرقة الأعضاء البشرية وعن الإستنساخ وطموحات العلماء في الحصول على أطفال بمواصفات معينة" شكل، لون، ذكاء، وقدرات جسمية وعقلية معينة"، وهو الذي مس بكرامة الإنسان.


مقالات فلسفية أخرى يمكنكم الإطلاع عليها

تعليقات