مقالة إنطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع
![]() |
مقالة مقارنة بين انطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع |
مع دخول عام 2024م وحلول الفصل الثاني لطلاب بكالوريا 2024 ارتأينا أن نضغ بين أيدي تلاميذنا الأعزاء نماذج لمقالات مادة الفلسفة وتغطية أكبر عدد ممكن من المواضيع المكتوبة والجاهزة للحفظ مباشرة تحضيرا للإمتحان الرسمي الذي سيجري في نهاية العام الدراسي2023-2024 وهو امتحان شهادة البكالوريا الذي سيحدد مستقبل الكثير من الطلبة .
هذه مقالة بطريقة المقارنة بين إنطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع مكتوبة كاملة وهي مقالة مرشحة بقوة في اختبار مادة الفلسفة لهذه السنة.
الموضوع
نص السؤال
نص المقال
مقدمة المقالة
يتصف العقل السليم بأهم صفة وهي تماسكه الفكري واحترازه من الوقوع في التنازع مع ذاته ، كما أنه قاسم مشترك لدى جميع الناس، فهو ملكة ذهنية لا تتحرك حسب الأهواء والمصادفات، لأن لها نظاما دقيقا يحكمها وهو المنطق، الذي يعني من الناحية الإصطلاحية علم التفكير الصحيح، ومعنى هذا أن المنطق عامة موضوعه هو الفكر الإنساني، وهدفه هو العمل على تحقيق انطباق الفكر، سواء في صورة إنطباق هذا الفكر مع نفسه أو في صورة إنطباقه مع الواقع، ولأن الكثير من الناس لا يستطيعون التمييز بين هذين النوعين من الإنطباق، هذا ما يدفعنا للتساؤل: ما الفرق بين انطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع ؟ وما طبيعة العلاقة بينهما؟
أوجه الإختلاف
إن المقارنة بين إنطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع تقتضي الوقوف على نقاط التباين والإختلاف التي تميز كل واحد منهما.
إن اتفاق الفكر مع نفسه وانطباقه مع ذاته مجال فكري من الدراسة يهتم به ما يسمى بالمنطق الأرسطي "الصوري"، الذي يعتبر أرسطو اليوناني هو مؤسسه ومبدعه كنظرية، ومهذب مسائله المختلفة. أما انطباق الفكر مع الواقع واتفاقه مع العالم الخارجي فهو منطق حديث يهتم به ما يسمى بالمنهج الاستقرائي أو المنهج التجريبي الذي يعتبر فرانسيس بيكون من رواد هذا المنطق والمنادين به خاصة في كتابه الأورجانون الجديد.
كما نجد من ناحية أخرى أن المنطق الصوري الذي هدفه تحقيق انطباق الفكر مع نفسه موضعه الأساسي هو دراسة قوانين الفكر الضرورية، وتبيان القواعد التي يجب على الفكر الإلتزام بها حتى لا يتناقض مع نفسه ( فهي قاعدته الأساسية ) في أحكامه واستدلالاته، ولا يهمه إن كان متناقضا مع الواقع، لذا يعرفه الجرجاني بقوله ( آلة قانونية تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ ) ، بعكس المنطق الإستقرائي الذي يستهدف تحقيق إنطباق الفكر مع الواقع فموضوعه الأساسي هو دراسة مادة الفكر وفهم الموضوعات التي يبحثها ومدى مطابقتها للواقع ومن ثم الإعتناء بتحديد الطرق والمناهج التي يعتمدها العلماء لاكتشاف الحقائق وبناء القوانين.
ضف إلى هذا كله أن المنطق الصوري يضع قواعد كلية ثابتة في جميع الموضوعات بلا تمييز، لأنه ينظر إلى الشكل وصورة الأحكام والإستدلالات، بغض النظر عن مضمون المعرفة وموضوعاتها ( أي يهتم بصورة الفكر "الشيء" دون مادته ). أما المنطق الإستقرائي فهو نسبي خاص، يضع القواعد وفق طبيعة كل موضوع على حدة، شريطة المحافظة على خصوصية المنهج، وكذا الإلتزام بالمقياس التجريبي مع الإهتمام بمضمون الأشياء وليس بصورها وأشكالها.
زيادة على هذا فإن البرهنة والإستدلال في المنطق الصوري تكون بطريقة إستنتاجية تنطلق من الكلي العام للوصول إلى الجزئيات، لذلك يقول غوبلو ( المنطق الصوري تحصيل حاصل ) . أما حركية البرهنة وطريقة الإستدلال في الإستقراء فتنطلق من الحالات الجزئية الخاصة إلى حكم كلي عام، أي الوصول إلى القواعد العامة والكلية وذلك من خلال الأحكام الجزئية. يقول فيه أبو حامد الغزالي ( أن تتصفح جزيئات كثيرة داخلة تحت معنى كلي واحد، حتى إذا وجدت حكما في تلك الجزئيات حكمت به على ذلك الكلي ). كما يقول في ذلك الفيلسوف فرانسيس بيكون ( إستخلاص واستنتاج القواعد العامة الكلية من الأحكام الجزئية ).
أوجه التشابه
لكن برغم كل تلك الإختلافات بين انطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع، فإن بينهما الكثير من أوجه الإتفاق أهمها:
أن كل منهما يعبر عن جهد إنساني، ويمثل وسيلة للمعرفة تسعى لتحقيق انسجام الفكر، بالإضافة إلى هذا، فكلاهما يملك هدفا واحدا يتمثل في الإبتعاد عن مختلف الأخطاء والتناقضات والمحافظة على سلامة الفكر الإنساني، لهذا قال أرسطو عن المنطق ( آلة العلم )، وهو ما يعبر عنه معنى كلمة المنطق التي تعتبر عند اليونان بأنها روح الفكر، يقول ابن خلدون عن المنطق بأنواعه : ( قوانين يعرف بها الصحيح من الخطأ ).
زيادة على ذلك ، فكل منهما يقوم على مبادئ أساسية وقواعد واضحة، كما يعتمد موضوعا ومنهجا خاصا به. أيضا كل من المنطق الصوري والإستقرائي يعبر عن صورة من صور الفكر الإنساني وأبعاده المختلفة التي تبقى تعبر دوما عن رغبة الإنسان في اكتشاف ما هو جديد، والبحث في أسرار هذا الوجود.
التركيب
إن الإتفاق الموجود بين هذين النوعين من الإنطباق يؤدي بنا إلى تحديد طبيعة العلاقة الموجودة بينهما ، وذلك من خلال شرح التأثير المتبادل بينهما، إذ نجد أن هناك رابطة جامعة بينهما تتمثل في كون الإنطباق مع الواقع مكمل للإنطباق مع الذات، فهذا الأخير شكلي وصوري، لا يستطيع تناول جميع موضوعات المعرفة الإنسانية. لهذا ظهر المنطق الإستقرائي ليتناول موضوعات الواقع، ويحقق انطباق الفكر مع الواقع، وبالتالي تحقيق صورة الفكر المتكامل مع نفسه ومع موضوعاته.
لكن من ناحية أخرى فإن المنطق الإستقرائي لا ينطلق من فراغ، بل ينطلق من ذات لا تتناقض مع نفسها وبالتالي يضع دائما نصب عينيه القواعد التي وضعها المنطق الصوري ولا يغفل عنها، لأنها قواعد عامة لكل تفكير، أي أن انطباق الفكر مع الواقع لا يمنع من أن يكون منطبقا مع نفسه بدليل أن مبادئ العقل بصورة عامة، ومبدأ الهوية بصورة خاصة، تعبر عن صورة الحقيقة، ويضمن لها صفة الثبات والإنسجام، كالفيزيائي أو البيولوجي مثلا الذي يرمز إلى ظواهر معينة للتعبير عن حادثة ما، ولا يمكن أن يقبل بتغيير رموزه التي اعتمد عليها، مما يعني أن مبدأ الهوية يعبر عن صورة التطابق والإنسجام بين المنطق الإستقرائي أي ""انطباق الفكر مع الواقع"" والمنطق الصوري أي ""إنطباق الفكر مع نفسه "".
وكذلك الحال بالنسبة للنسق (المنهج) الرياضي، فالرياضيات ترد إلى المنطق المبني على عدم التناقض، والكثير من الأبحاث العلمية اليوم تؤكد ذلك، حيث طبقت المفاهيم الرياضية على الظواهر المادية لمعرفة مدى صحتها، مثلا: حساب حركة المريخ من طرف كيبلر والنظرية النسبية لأنشتاين ، قانون الجاذبية لنيوتن (جاليلي)، وكل هذا يعبر عن الإنسجام بين ما هو عقلي وما هو واقعي باستعمال لغة الرموز.
خاتمة المقالة
في الأخير وبعد هذا التحليل، نصل إلى القول بأن التفكير المنطقي سواء كان إستقرائيا ، يحقق انطباق الفكر مع الواقع، أو منطقا صوريا يعمل على تحقيق انطباق الفكر مع نفسه، وبرغم الإختلاف الموجود بينهما من حيث المبدأ والموضوع وطريقة البرهنة، فإنهما مع ذلك يلتقيان في الهدف العام وهو محاولة الوصول إلى الحقيقة وإبداع أحسن الوسائل لبلوغ اليقين أو الإقتراب منه. لذلك الأبحاث المنطقية المعاصرة تحاول المقاربة بين النسق العقلي والنسق الواقعي ، كجدل إيجابي منتج وبالتالي تجاوز منطق الرفض والإقصاء.
هذه المقالة بطريقة المقارنة موجهة لطلاب السنة الثانية والثالثة ثانوي الذين تناولوا موضوع انطباق الفكر ،حيث يمكن مع تلك النقاط المقدمة في أجزاء المقالة تحويلها إلى مقالة بطريقة الجدل أو استقصاء بالوضع أو الرفع.
وبالتوفيق لطلبتنا الأعزاء في مشوارهم الدراسي.
تعليقات
إرسال تعليق