مقالة فلسفية حول المقارنة بين الملاحظة والتجربة بكالوريا 2024
مقارنة بين التجربة والملاحظة |
مقالات مقترحة في مادة الفلسفة لتلاميذ الثالثة ثانوي المقبلين على اجتياز إمتحان شهادة البكالوريا دورة جوان 2024 في جميع الثانويات عبر ربوع الوطن .
نص الموضوع
« إن التجريب نوع من الملاحظة » حلل وناقش
عناصر المقال
- المقدمة
- أوجه الإختلاف
- أوجه التشابه
- التركيب أو العلاقة
- الخاتمة
المقدمة
يقسم المناطقة المنطق إلى صوري ومادي ، فالأول يهتم بتطابق الفكر مع نفسه أي بالفكر من حيث صورته وذلك من خلال التصورات والمفاهيم ، والثاني يهتم بتطابق الفكر مع الواقع أي يتجه إلى الأشياء وبالتالي يدرس الفكر من حيث مادته لأنه يصلح للعالم الطبيعي والواقعي ، الذي يتصف بالتغير والتجرد ومبني على التناقض . ولا يتحقق هذا الإنطباق ( إنطباق الفكر مع الواقع ) إلا على أساس تجريبي ، فالعلم يعتمد على المنهج التجريبي الذي ينقسم بدوره إلى عدة خطوات ومراحل أهمها الملاحظة والتجربة ، ولأن هناك كثيرين لا يستطيعون التمييز بين هتين المرحلتين ، هذا ما يدفعنا لطرح التساؤل التالي :
ما الفرق بين الملاحظة والتجربة ؟ وما مدى تأثير كل منهما على الأخرى ؟
أوجه الإختلاف
إن المقارنة بين الملاحظة والتجربة تقتضي الوقوف على نقاط الإختلاف بينهما ، فإذا نظرنا من ناحية التعريف نلاحظ أن هناك تباين بينهما ، فالملاحظة بالتعريف هي أول خطوة من خطوات المنهج التجريبي وتعني : المشاهدة الحسية للظواهر الطبيعية كما هي في الواقع من أجل الوقوف على خصائصها ومميزاتها ، يقول جون ستيوارت مل « الطبيعة كتاب مفتوح إذا أردت أن تعرف قوانينها عليك أن تشاهدها » ، ولذلك تختلف الملاحظة العادية عن العلمية لأن الأولى لا يهدف صاحبها إلى كشف علمي ، أما الملاحظة العلمية فتقوم على التركيز والإنتباه ، و العالم حين يشاهد ظاهرة معينة فإن ملاحظته لها تكون بهدف الكشف عما هو جديد فيها و من أجل الوصول إلى غرض محدد ، حيث يحتاج هذا النوع من الملاحظة إلى استخدام الوسائل العلمية المتطورة " التلسكوب ، المجهر ..." وذلك إضافة إلى الحواس . أما التجربة بالتعريف هي نقل للظاهرة من الطبيعة إلى المخبر ومشاهدتها في ظروف إصطناعية مخبرية عن طريق بعض الأجهزة والآلات التقنية ، وعليه فهي ملاحظة ثانية على حد تعبير كلود برنارد الذي يقول « إن الملاحظ يصغي إلى الطبيعة » حيث يقصد من ذلك أن الملاحظة هي الإكتفاء فقط بالنظر إلى الحادثة ومحاولة جمع معلومات عنها ، أما التجربة فهي تلك المرحلة النهائية التي نصل من خلالها إلى قانون يفسر تلك الحادثة ، يقول جون ستيوارت مل « يولد العقل كصفحة بيضاء تأتي التجربة لتنقش عليها ما تشاء » .
ويمكن تقسيم التجربة إلى نوعين :
مباشرة يتم فيها الإنتقال من الملاحظة إلى التجربة ، وأخرى غير مباشرة كالتطبيق على بعض الحيوانات ثم على الإنسان ، كما أنه يتم توجيه التجربة بإرادة من الباحث أو العالم قصد التأكد من الظاهرة موضوع الدراسة ، وتهدف إلى الكشف عن العلل والأسباب التي تحكم الظواهر و من ثم كانت مرحلة حاسمة في المنهج الإستقرائي لأنها تقرر صدق أو كذب الفرضية ، يقول كلود برنارد « إن التجربة هي الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا » .
ومن الأمثلة حول تطبيق التجربة هي تجربة لويس باستور حول ظاهرة تعفن اللحم ، حيث قام باستحداث هذه الظاهرة في المخبر ، بحيث أتى بمجموعتين من القارورات وملأها بمرق اللحم وهي تجربة شهيرة له .
كما توجد نقطة إختلاف أخرى تميز الملاحظة عن التجربة وهي من ناحية الخصائص والمميزات ، فالملاحظة تتميز بالكثير من الخصائص أهمها أن الملاحظ يشاهد الظواهر كما تحدث في الطبيعة كمشاهدة باستور لظاهرة تعفن اللحم ، أي شاهدها كما تحدث في الطبيعة ، كما أن الملاحظ لا يتدخل في الظاهرة بل يستقبلها كما هي في الواقع دون تعديل أو تغيير أو تبديل ، لذلك يقول كلود برنارد « ندعو ملاحظا ذلك الذي يستعمل طرق الإستقصاء البسيطة أو المركبة في دراسة الظواهر دون أن يتدخل في مجرى هذه الظواهر بل يستقبلها كما تقدمها له الطبيعة » ، و بذلك فهدف الملاحظ يكمن في ضبط خصائص ومميزات الظواهر والأحداث التي تمر عليه ، كما يقول « يجب على الملاحظ أن يكون كآلة تصوير يلتقط الحوادث كما هي في الواقع دون حكم سابق » . أما التجربة فتملك خصائص أخرى أهمها أن المجرب يتدخل في الظاهرة عن طريق التعديل والتبديل والتغيير من أجل تقريبها ما أمكن للتفسير المطلوب ، فإذا لم تنجح التجربة المدروسة يقوم بتغيير شروطها ، حيث يقول كلود برنارد « ونطلق صفة المجرب على من يستعمل طرق الإستقصاء البسيطة أو المركبة لتغيير أو تعديل الظواهر الطبيعية...، و يستحدث تلك الظواهر في ظروف أو في شروط ليس من شأن الطبيعة أن تقدمها فيها » ، وبذلك يكون هدف المجرب هو الوصول إلى القانون العلمي وبالتالي ضبط الظواهر الطبيعية ضبطا كميا . كما أن التجربة العلمية لابد أن تكون بعيدة عن التفسيرات الذاتية ومطابقة لما لاحظناه على أرض الواقع ، ومن ثم لابد أن تكون موضوعية مجردة من الآراء الشخصية .
أوجه التشابه
إلا أن هذه النقاط التي تفرق الملاحظة عن التجربة لا تنفي وجود نقاط تشابه بينهما بدليل أن هناك عناصر مشتركة بينهما تمثل نقاط الإتفاق :
فكلاهما يمثل خطوة من خطوات المنهج التجريبي الإستقرائي ، فالملاحظة تمثل الخطوة الأولى التي تنطلق منها الدراسة ، والتجربة تمثل الخطوة النهائية التي تضع القانون العام حول موضوع الدراسة ، لأن مختلف العلوم سواء كانت تجريبية أو إنسانية تستخدم هذا المنهج العلمي ( المنهج الإستقرائي ) ، الذي يعتمد على هاتين المرحلتين اللتان هما غاية في الأهمية .
كما أن كلا من الملاحظة والتجربة يخصان الباحث أي العالم دون سواه ، لا يخصان الإنسان العادي ، حيث نجدهما عند الباحث في مختلف ميادين العلم فهو الذي يقوم بملاحظة الظواهر ملاحظة علمية ، ومن ثم تطبيقها بطريقة مخبرية.
بالإضافة إلى ذلك ، فكلاهما يعتمد فيه الباحث على وجود وسائل تقنية وأجهزة متطورة كالمجهر والمنظار وغيرها ، فالملاحظ مثلا عند ملاحظته لظاهرة كسوف الشمس أو خسوف القمر ، فإنه يستعين بالنظارات الخاصة بتلك الظاهرة ، أو عند مشاهدته للنجوم فإنه يستعين بجهاز التلسكوب ، والمجرب يستعين بالأنابيب ( أنابيب الإختبار ) ، الحوجلات ووسائل مخبرية أخرى ، وهذا من أجل تدقيق الملاحظة " الأولى أو الثانية " ، كما أن الحواس قد تخدع الإنسان .
وأخيرا يشتركان في الغاية ، لأن كلاهما يهدف إلى غاية واحدة وهي الوصول إلى القانون العلمي وبالتالي إكتشاف العلاقات الثابتة التي تتحكم في الظواهر من أجل التنبؤ بها ، وقد عبر كلود برنارد عن هذه النقطة المشتركة بقوله « إن للملاحظ والمجرب هدفا واحدا مشتركا وهو إدراك الحوادث وضبطها بالوسائل العلمية الدقيقة » .
التركيب
إن الإتفاق الموجود بين الملاحظة والتجربة يدفعنا إلى تحديد العلاقة الموجودة بينهما ، وهذا من خلال شرح علاقة التداخل أو التأثير المتبادل بينهما ، إذ نجد أن هناك رابطة جامعة بينهما ، فإذا نظرنا إلى الملاحظة و التجربة من زاوية الوظيفة ، تظهر لنا هذه الرابطة في مدى تأثير كل منهما على الأخرى ، فالملاحظة تؤثر على التجربة أي أن التجربة تحتاج إلى الملاحظة لأن التجريب نوع من الملاحظة ، بدليل أن المجرب حين يصطنع الظاهرة في المخبر عن طريق ظروف خاصة ، فإنه يضطر إلى مشاهدتها مرة أخرى ، فإذا عدنا إلى المثال السابق فإننا نكشف بأن باستور حين استحدث ظاهرة تعفن اللحم في المخبر ، فإنه بعد أسابيع لاحظ مرة أخرى هذه القارورات وشاهدها . كما أن التجربة بدورها تؤثر في الملاحظة ، أي أن الملاحظة تحتاج إلى التجريب بدليل أن الملاحظة وحدها غير كافية للوصول إلى القوانين العلمية ، وبالتالي إكتشاف العلاقات الضرورية التي تتحكم في الظواهر . والعلاقة بينهما هي كعلاقة الجواهر بالخيط (علاقة تكاملية ) ، يقول ديوال « إن الجواهر موجودة ولكنها لا تؤلف عقدا قبل أن يأتي أحدهم بالخيط » .
الخاتمة
في الأخير وبعد هذا التحليل والمناقشة ، نصل إلى القول بأن هناك صلة وطيدة بين الملاحظة والتجربة وبأن هناك علاقة ضرورية وخدمة متبادلة ، أي وجود علاقة تكامل وظيفي لأن وظيفة التجربة تكمل وظيفة الملاحظة والعكس صحيح ، للوصول في الأخير إلى وضع قانون علمي هادف ، يقول كوفييه « إن الملاحظ يصغي إلى الطبيعة ، بينما المجرب يسألها ويرغمها على الإجابة » .
تعليقات
إرسال تعليق